لم أكن هنا في غزة في مثل هذه الأيام من العام الماضي ولم أشهد مجازر الاحتلال التي بدأت في مثل هذا اليوم السابع والعشرين من شهر ديسمبر .. لكنني هنا الان في الذكرى الأولى لتلك المجازر التي شاء الله أن أكون شاهدا على صورها وقصص من عايشوها فأرخيت أذني كثيرا واستمعت لصيحات و ويلات عاشها أهلنا هنا بكل ألم وأطلقت عيني لترصد ركام صواريخ وقذائف مضى عليها عام لكن أهل غزة ما زالوا يعيشون على وقعها وركامها حتى يومنا هذا .. لن تنسى غزة تلك المشاهد التي رصدتها عدسة الكاميرات أو عيون البشر وستبقى تلك الذاكرة المؤلمة تدق أبوابنا على مر السنين و تحدثنا بها ألسنتنا لأجيال قادمة .. لكن الذكرى وحدها لا ولن تكفي لتضميد تلك الجراح والوقوف من جديد ومحاسبة أنفسنا أولا قبل أن نحاسب من لا نستطيع محاسبتهم ممن لطخوا أيديهم بدمائنا، وسنبقى بذلك دوما نترك للاحتلال مساحة يبرأ نفسه من خلالها أمام مجتمع دولي لا يرحم ..
لنبتعد ولو قليلا عن عواطفنا حتى نتمكن من تسخير عقولنا في التفكير نحو الأمام لمصلحة شعبنا ومن نحب، فمصائبنا تأتي دوما عندما نفكر بالعواطف والأحاسيس ونلغي العقول وعلى العكس دوما ينجح الاحتلال في تنفيذ مشاريعه ومخططاته لأنهم يعرفون جيدا كيف يستخدمون عقولهم لخدمة أنفسهم وأجندتهم في المنطقة، ولو نظرنا لواقعنا و واقع سياساتنا وأداء قياداتنا عموما نجد أنها تصب جميعا في مصلحة أعدائنا وكأن المواطن العربي والفلسطيني تحديدا حكم عليه بطمس عقله تماما واستخدامه أداة فقط لتنفيذ مصالح حزبية ضيقة بحثا عن لقمة العيش أو سعيا وراء شعارات لا طائل منها سوى تعبئة العواطف وتأجيجها دوما مما يسهم في إلغاء حكم العقل على كل ما نفعل واقرأوا معي بتمعن هذه النقاط السريعه :
- حالة الانقسام الحاصل في الصف الفلسطيني الذي ساهم فيه كافة الأطراف وتحديدا قيادات الصف الأول من أكبر حركتي تحرر فلسطيني .. حركة تحرير وحركة مقاومة وللاسمين مغزى واحد وهدف واحد لكن بوصلتهما انحرفت كثيرا عن الغاية الأسمى (فلسطين) لتسعى الأولى اليوم لتحرير سلطتها المسلوبة والأخرى لمقاومة أقرانها والبحث عن سلطتها المحجوبة وبات الشعب منقسما بين هذا وذاك .. وأصبحنا مشتتين يسهل كسرنا والسيطرة علينا وارتكاب المجازر بحقنا ..
- من المتعارف عليه دوما أن الطرف الأقوى في أي معادلة هو من يفرض شروطه على الطرف الاخر، لم نتعامل جيدا في مسألة الهدنة التي رفضت حكومة غزة المضي بها، بل وأعلنت ذلك في مؤتمر صحافي بات الاحتلال يستخدمه ليوضح للعالم بأسره أن الطرف الفلسطيني هم من أرادوا تلك المواجهة برفضهم للهدنه التي كان يتشدق الاحتلال برغبته باستمرارها .. وعندما نقرأ سيرة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي يضيء لنا الطريق بسياساته إبان عهده ونسعى دوما للسير على نهجه تطبيقا لا بالشعارات فقط نجد أنه عليه أفضل صلاة وأتم تسليم وفي حادثة صلح الحديبية التي خرج بها الرسول وأصحابه وعندما قرر رسول الله صلى الله عليه وسلم التفاوض مع قريش في شأن دخول المسلمين مكة لزيارة البيت الحرام، وقال: (والذي نفسي بيده لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها) مما يعطي دلالة واضحه أن من يفرض خطته وشروطه الطرف الأقوى الذي كان متمثلا في قريش عندها .. ومن يقرأ في تلك الشروط التي فرضتها قريش في صلح الحديبية يجد في ظاهرها إذلالا وإجحافا بحق المسلمين مما جعل من بعض الصحابة رضوان الله عليهم ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فعند سماعه بهذه الشروط أتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر أليس برسول الله؟ قال: بلي. قال: أو لسنا بالمسلمين؟ قال: بلى. قال: أو ليسوا بالمشركين؟ قال: بلي. قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ قال أبو بكر: يا عمر الزم غرزه، فإني أشهد أنه رسول الله. قال عمر: وأنا أشهد أنه رسول الله. _[متفق عليه]. لكننا وللأسف نرفض دوما سياسة العقل التي كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يعطينا دروسا بها في كل أفعاله وإدارته لدولة المسلمين ونحجر عقولنا بحجة أننا ملتزمون بمبادئنا ودستورنا !!
- يخوننا التفكير والتدبير دوما في سياسة استخدام وتسخير المصطلحات الإعلامية المناسبة التي نكسب من خلالها تأييدا أكبر في حال اختيارنا للمصطلحات المناسبة .. ويا ليتنا نقرأ جيدا في سيرة رسولنا الكريم المصطفى صلى الله عليه وسلم ونطبق ما جاء فيها في حاضرنا وسياساتنا، ومن الدروس المستقاة أيضا من حادثة صلح الحديبية حيث أرسلت قريش سهيل بن عمرو، وكان رجلا فصيحًا عاقلا يجيد التفاوض، وبعد الاتفاق على شروط الصلح دعا النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وقال له اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. فقال سهيل: لا أعرف هذا، ولكن اكتب: باسمك اللهم. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: اكتب باسمك اللهم. فكتبها، ثم قال: اكتب: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو. فقال سهيل : لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك. فقال صلى الله عليه وسلم: اكتب. هذا ما صالح عليه محمدُ بن عبدالله، سهيلَ بن عمرو. فرفض على أن يمحو كلمة رسول الله بعد ما كتبها، فمحاها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه. _[متفق عليه]. كل ذلك يعطينا دلالة واضحه أن القائد الذكي هو من يتقن التعامل مع اليات الصراع وموازين القوى ويجعل من المرونة لغة لعقله لتنفيذ أجندته وتحقيق مصالح رعيته ومن يرى ويقرأ ويسمع مصطلحات كحرب غزة أو انتصار الفرقان أو معركة أو ما شابه يجد توصيفا يعكس صورة معاكسة عن مجريات الواقع ..
من كان يبحث ويتحدث عن انتصار فلسطيني في تلك المجازر فنحن منتصرون دوما ومنذ عام 1948 الانتصار المعنوي بصمودنا وثباتنا على هذه الأرض .. فكل انتصار بعد كل حادثة ومجزرة اسرائيلية يسجل للشعب الفلسطيني (فقط) ومنذ ذلك التاريخ .. لكن في الواقع وفي الحكم بين إدارة اسرائيلية وإدارات فلسطينية للصراع الحالي نجد أننا نبتعد شيئا فشيئا عن مفهوم الانتصار ونقترب أكثر من معطيات الهزيمة .. وسنسير في ذات الطريق وسيرتقب الشعب هنا مجازر جديدة ويخط انتصارات جديدة (سيسجلها البعض باسمه) إن لم نحقق التغيير في أنفسنا وسياساتنا سعيا فقط لمصلحة فلسطين أولا وشعبها ..
تصبحون على وطن
لنبتعد ولو قليلا عن عواطفنا حتى نتمكن من تسخير عقولنا في التفكير نحو الأمام لمصلحة شعبنا ومن نحب، فمصائبنا تأتي دوما عندما نفكر بالعواطف والأحاسيس ونلغي العقول وعلى العكس دوما ينجح الاحتلال في تنفيذ مشاريعه ومخططاته لأنهم يعرفون جيدا كيف يستخدمون عقولهم لخدمة أنفسهم وأجندتهم في المنطقة، ولو نظرنا لواقعنا و واقع سياساتنا وأداء قياداتنا عموما نجد أنها تصب جميعا في مصلحة أعدائنا وكأن المواطن العربي والفلسطيني تحديدا حكم عليه بطمس عقله تماما واستخدامه أداة فقط لتنفيذ مصالح حزبية ضيقة بحثا عن لقمة العيش أو سعيا وراء شعارات لا طائل منها سوى تعبئة العواطف وتأجيجها دوما مما يسهم في إلغاء حكم العقل على كل ما نفعل واقرأوا معي بتمعن هذه النقاط السريعه :
- حالة الانقسام الحاصل في الصف الفلسطيني الذي ساهم فيه كافة الأطراف وتحديدا قيادات الصف الأول من أكبر حركتي تحرر فلسطيني .. حركة تحرير وحركة مقاومة وللاسمين مغزى واحد وهدف واحد لكن بوصلتهما انحرفت كثيرا عن الغاية الأسمى (فلسطين) لتسعى الأولى اليوم لتحرير سلطتها المسلوبة والأخرى لمقاومة أقرانها والبحث عن سلطتها المحجوبة وبات الشعب منقسما بين هذا وذاك .. وأصبحنا مشتتين يسهل كسرنا والسيطرة علينا وارتكاب المجازر بحقنا ..
- من المتعارف عليه دوما أن الطرف الأقوى في أي معادلة هو من يفرض شروطه على الطرف الاخر، لم نتعامل جيدا في مسألة الهدنة التي رفضت حكومة غزة المضي بها، بل وأعلنت ذلك في مؤتمر صحافي بات الاحتلال يستخدمه ليوضح للعالم بأسره أن الطرف الفلسطيني هم من أرادوا تلك المواجهة برفضهم للهدنه التي كان يتشدق الاحتلال برغبته باستمرارها .. وعندما نقرأ سيرة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي يضيء لنا الطريق بسياساته إبان عهده ونسعى دوما للسير على نهجه تطبيقا لا بالشعارات فقط نجد أنه عليه أفضل صلاة وأتم تسليم وفي حادثة صلح الحديبية التي خرج بها الرسول وأصحابه وعندما قرر رسول الله صلى الله عليه وسلم التفاوض مع قريش في شأن دخول المسلمين مكة لزيارة البيت الحرام، وقال: (والذي نفسي بيده لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها) مما يعطي دلالة واضحه أن من يفرض خطته وشروطه الطرف الأقوى الذي كان متمثلا في قريش عندها .. ومن يقرأ في تلك الشروط التي فرضتها قريش في صلح الحديبية يجد في ظاهرها إذلالا وإجحافا بحق المسلمين مما جعل من بعض الصحابة رضوان الله عليهم ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فعند سماعه بهذه الشروط أتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر أليس برسول الله؟ قال: بلي. قال: أو لسنا بالمسلمين؟ قال: بلى. قال: أو ليسوا بالمشركين؟ قال: بلي. قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ قال أبو بكر: يا عمر الزم غرزه، فإني أشهد أنه رسول الله. قال عمر: وأنا أشهد أنه رسول الله. _[متفق عليه]. لكننا وللأسف نرفض دوما سياسة العقل التي كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يعطينا دروسا بها في كل أفعاله وإدارته لدولة المسلمين ونحجر عقولنا بحجة أننا ملتزمون بمبادئنا ودستورنا !!
- يخوننا التفكير والتدبير دوما في سياسة استخدام وتسخير المصطلحات الإعلامية المناسبة التي نكسب من خلالها تأييدا أكبر في حال اختيارنا للمصطلحات المناسبة .. ويا ليتنا نقرأ جيدا في سيرة رسولنا الكريم المصطفى صلى الله عليه وسلم ونطبق ما جاء فيها في حاضرنا وسياساتنا، ومن الدروس المستقاة أيضا من حادثة صلح الحديبية حيث أرسلت قريش سهيل بن عمرو، وكان رجلا فصيحًا عاقلا يجيد التفاوض، وبعد الاتفاق على شروط الصلح دعا النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وقال له اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. فقال سهيل: لا أعرف هذا، ولكن اكتب: باسمك اللهم. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: اكتب باسمك اللهم. فكتبها، ثم قال: اكتب: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو. فقال سهيل : لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك. فقال صلى الله عليه وسلم: اكتب. هذا ما صالح عليه محمدُ بن عبدالله، سهيلَ بن عمرو. فرفض على أن يمحو كلمة رسول الله بعد ما كتبها، فمحاها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه. _[متفق عليه]. كل ذلك يعطينا دلالة واضحه أن القائد الذكي هو من يتقن التعامل مع اليات الصراع وموازين القوى ويجعل من المرونة لغة لعقله لتنفيذ أجندته وتحقيق مصالح رعيته ومن يرى ويقرأ ويسمع مصطلحات كحرب غزة أو انتصار الفرقان أو معركة أو ما شابه يجد توصيفا يعكس صورة معاكسة عن مجريات الواقع ..
من كان يبحث ويتحدث عن انتصار فلسطيني في تلك المجازر فنحن منتصرون دوما ومنذ عام 1948 الانتصار المعنوي بصمودنا وثباتنا على هذه الأرض .. فكل انتصار بعد كل حادثة ومجزرة اسرائيلية يسجل للشعب الفلسطيني (فقط) ومنذ ذلك التاريخ .. لكن في الواقع وفي الحكم بين إدارة اسرائيلية وإدارات فلسطينية للصراع الحالي نجد أننا نبتعد شيئا فشيئا عن مفهوم الانتصار ونقترب أكثر من معطيات الهزيمة .. وسنسير في ذات الطريق وسيرتقب الشعب هنا مجازر جديدة ويخط انتصارات جديدة (سيسجلها البعض باسمه) إن لم نحقق التغيير في أنفسنا وسياساتنا سعيا فقط لمصلحة فلسطين أولا وشعبها ..
تصبحون على وطن
إبراهيم خضرة
27 ديسمبر 2009

هناك تعليق واحد:
غزة ستبقى صامدة مهما خانتها الأوطان والأزمان ...وفلسطين منتصرة مهما مهما دمرها العدوان ....إسرائيل مهزومة مهما دعمها الغرب والأمريكان ....مشكور أستاذ إبراهيم على هذه المقالة وجعل الله قلمك لنصرة فلسطين
إرسال تعليق