الأحد، ١٥ أغسطس ٢٠١٠

مصر والجزائر .. وحديث الكرة

غريب أمر كرة القدم .. هذه اللعبة التي أسرت قلوب البشر وباتت تتحكم بعلاقاتهم وانتمائاتهم بل وصلت للتأثير على بعض سياسات الدول، ولا يخفى ذلك عليكم واسألوا مصر والجزائر عن أمانيهم هذه الأيام ومستوى طموحهم وأحلامهم ..

أحد عشر لاعبا يركضون خلف مستديرة لزرعها في شباك الخصم .. خطط وتكتيكات وعناصر قوة وضعف وأوراق رابحة وخاسرة ومحطات إعلامية ترصد وتحلل وحشود جماهيرية تترقب نتيجة 90 دقيقة أو أكثر .. ضغط وأعصاب وعوطف جمة تصبها الشعوب على فرقها أملا في أحلام مستواها الوصول إلى منصات التتويج .. ثم ماذا ؟! لا شيء سوى ألقاب ..

إذا كل ذلك فقط هو فوز وإرضاء معنوي أن ترفع كأس بطولة أو تتأهل إلى بطولة عالمية يرصد أحداثها عشاق المستديرة في كافة أنحاء العالم .. فهل وصلنا إلى قمة الهرم أم لا ؟!
أي هرم وأي قمة ونحن في تراجع متواصل في كافة الميادين .. لا عيب ولا غرابة في أن تمارس الرياضة وتتابع لعبتك المفضلة وفريقك المفضل وأغلبنا يعشق كرة القدم ويهوى ممارستها أو متابعتها وأنا معكم ومنكم .. لكن العيب كل العيب أن نرفع من شأن هذه اللعبة لترتفع من مفهوم الفوز والخسارة إلى مفاهيم كالنصر والهزيمة ومن مفهوم التشجيع والتأييد إلى القومية والوطنية ومن مصطلحات كمباراة كرة قدم إلى مصطلحات أوسع كمعركة أو موقعة وكأننا في ساحات حرب لا في مساحات خضراء لممارسة رياضة نزيهة ..

هل هو الفراغ لدى الشعوب من أحدث ذلك أم أنها حالة الهوس التي تؤججها أدوات الإعلام أم هي لغة جديدة وجد منها الزعماء والقادة أداة جيدة لإلهاء شعوبهم وإسكاتهم عما يدور حولهم من أحداث أهم لا يريدون سماع أصواتهم بها .. نعم فاليوم لك كل الحق في رفع صوتك عاليا باسم فريقك الكروي والخروج بمسيرات (بلا ترخيص) واحتفالات تغلق بها الشوارع وتمارس بها كل أنواع الضجيج والصخب بلا حدود أو قيود بل وتفتح الحدود وتلغى التأشيرات أمام من يرغب من الجماهير بالوقوف مع فريقه باسم الوحدة العربية أو الوطنية الزائفة !!

نعم كل ذلك وأكثر حدث في مباراة للعبة كرة القدم بين مصر والجزائر على أرض السودان ..

- تخرج المسيرات احتفالا بالفوز بلا رقيب أو مسائلة وبلا إذن مسبق من أي جهة حكومية في البلدين وبلدان أخرى وعندما تنوي مجموعة من المتحمسين لدينهم و وطنهم للخروج بمسيرة نصرة للأقصى تقمع بشتى الطرق وتكاد لا تسمع لها صدى بحجة عدم الترخيص أو إعاقة حركة ومصالح المواطنين !!

- حتى في أرض غزة يتجمع جمهور كرة القدم المؤيد لجارتهم مصر رداً لتحية أبو تريكة لهم أو لعواطف القرب الجغرافي أو أملاًً بأن تفتح الجمهورية العربية المصرية معبر رفح احتفالا بالفوز و اهداء لتلك الجماهير .. و على أرض غزة أيضا عندما يتجمع عشرة أفراد أو أقل أو أكثر لإشعال شمعة ذكرى لرحيل قائدهم ياسر عرفات يقمعون ويمنعون خوفا من إظهار الانتماء الحزبي لدى سلطة الحزب الأوحد ..

- تعلن السلطات السودانية أنها ستمنح التأشيرات المباشرة في المطار للجماهير الجزائرية لتشجيع فريقها وإظهار التعاطف مع المواطن الذي يرغب في الوقوف مع لاعبيه، وعندما يدخل أحد الأفراد قطاع غزة لكسر حصارها ودعما لأهلها يوقف بالأيام ويحاسب حسابا عسيرا لدخوله غير الشرعي ولإخلاله بسيادة الدولة التي تقف حارسا على تلك الحدود .!

- تعلن الحكومة المصرية والجزائرية أنهم سيطلقون جسرا جويا بين بلادهم والسودان لنقل إمدادات شعبية وجماهيرية لمساندة فرقهم، وعندما تصل قافلة إمدادات لقطاع غزة وشعبها المحاصر تعاني كثيرا وتحتاج عددا كبيرا من الوساطات قد تعيقها لأشهر حتى تحصل على إذن المرور أو تتلف تلك المساعدات أو تصادر بحجة عدم الترخيص لها أو لإضرارها بالأمن القومي ..!!

- يتوحد البث التلفزيوني في عدد من فضائيات البلدين ببث مباشر يرصد ويحلل أجواء المباراة وما قبل ذلك وبعده ويطلق جيش من الإعلاميين وترسل وفود من كافة المحطات الإذاعية والتلفزيونية لتغطية هذا الحدث الإعلامي الضخم ويتم تعبئة الجماهير وتحفيزها وشحنها .. ولم نسمع عن ذلك قط عندما حاصرت الشرطة الاسرائيلية المسجد الأقصى قبل أيام أو في الذكرى الأولى أو الثانية لحصار غزة ..!!!

نعم .. كل ذلك لأجل مباراة في كرة القدم يركض فيها أحد عشر لاعبا لإدخال كرة في مرمى الخصم ويقف الملايين خلفهم مناصرين ومؤيدين وأنا منهم لكنني لم ولن أسمح لنفسي يوما بـأن أصل بهذه اللعبة لمفهوم يتعدى كونها لعبة ..


إبراهيم خضرة
18\11\2009

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

أعشق الكرة نعم و لكنّها لا تتحكّم في عقلي و حكمي على الحقّ و الباطل او الخير و الشرّ.
أحبّ الرّيال و أنتشي بفوزه لا أكثر و لا يجعلني هذا في دوامة من الحقد تجاه البارصا التي اعترف لها بالمتعة الكرويّة.
و لكنّ قلبي يخفق لحال أمّتي و قضيّتها المحوريّة فلسطين و القدس و الاقصى الذي باركنا حوله و غزّة المحاصرة اليها تشدّ الرحال و الهمم و من اجلها تتحرّك الجوارح و تنطق الألسن .
سعيد وردان من الجزائر