الاثنين، ١٩ سبتمبر ٢٠١١

ماشي "30" استحقاقات الدولة وأيلول !


 فلسطين الدولة تمر في تجربة جديدة تشكل حلقة في سلسلة مواجهة المجتمع الدولي والمطالبات بحقها في الاستقلال الذي طالما سعت إليه منظمة التحرير الفلسطينية منذ تأسيسها عام 1964 و الاعتراف بها كممثل شرعي للفلسطينيين في الداخل والخارج، كان الهدف الرئيسي من إنشاء المنظمة حينها هو تحرير فلسطين عبر الكفاح المسلح إلا أن المنظمة تبنت فيما بعد فكرة إنشاء دولة ديمقراطية علمانية ضمن حدود فلسطين الانتدابية وكان ذلك في عام 1974 في البرنامج المرحلي للمجلس الوطني الفلسطيني الأمر الذي عارضته بعض الفصائل الفلسطينية وقتها حيث شكلت ما عرف بجبهة الرفض. في عام 1988 تبنت منظمة التحرير الفلسطينية رسميا خيار الدولتين جنبا إلى جنب مع اسرائيل في فلسطين التاريخية والعيش بسلام شامل يضمن عودة اللاجئين واستقلال الفلسطينيين على الأراضي المحتلة عام 1967 وبتحديد القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المرتقبة، في عام 1993 قام رئيس اللجنة التنفيذية بمنظمة التحرير انذاك ياسر عرفات بالاعتراف رسميا باسرائيل في رسالة رسمية إلى رئيس الوزراء الاسرائيلي انذاك إسحاق رابين، في المقابل اعترفت اسرائيل بمنظمة التحرير كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، نتج عن ذلك تأسيس السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة والتي تعتبر من نتائج اتفاق أوسلو بين المنظمة واسرائيل.

مرت القضية الفلسطينية بالعديد من المحطات التي أثرت كثيرا على مسار المفاوضات و كان للاحتلال الاسرائيلي نصيب الأسد منها من خلال إعاقة تنفيذ أي اتفاق يتمخض بعد حلقات من التفاوض الذي دأبت السلطة الفلسطينية على خوضها رغم الانتقادات الكثيرة من عدد من الدول التي عرفت كثيرا بدول الممانعة ومن الداخل الفلسطيني المتمثل في حركة حماس التي سيطرت على قطاع غزة بعد فوزها في الانتخابات التشريعية الأخيرة عام 2006 وما عرف بانقلابها انذاك على مقار السلطة في غزة بحجة عدم الاعتراف بنتائج تلك الانتخابات وتسليمها الأجهزة الأمنية والمؤسسات الرسمية، ونتيجة لذلك انقسم الشعب الفلسطيني جغرافيا للمرة الأولى في تاريخه إلى جزأين من المفترض أنهما يمثلان أركان الدولة الفلسطينية العتيدة، فوصلت القضية الفلسطينية لأخطر مراحلها المتمثل بعدم الاتفاق الفلسطيني رغم الجهود الكثيرة التي بذلت من عدد من الدول العربية إلا أن الحال بقي على ما هو عليه رغم التوقيع مؤخرا في مطلع شهر مايو ايار الماضي على اتفاق مصالحة بين الفرقاء الفلسطينيين في القاهرة برعاية الجامعة العربية لم ينجح الفلسطينيون في تطبيق أبرز بنوده و المتمثل في تشكيل حكومة وحدة فلسطينية لحين عقد انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة لم يتم الاتفاق على موعدها بعد. نسخ الفلسطينيون خلافهم وانقسامهم الداخلي على كافة الأصعدة واثروا الخلاف على الوحدة في مواجهة المجتمع الدولي أو ما يعرف باستحقاق أيلول الذي قررت به منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة رئيس اللجنة التنفيذية ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس التوجه إلى مجلس الأمن الدولي بعد فشل جهود المفاوضات التي وصلت به إلى طريق مسدود مع القيادة الاسرائيلية المتمثلة حاليا برئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو اليميني الذي تحالف في حكومته مع الحزب الأكثر تطرفا اسرائيل بيتنا بزعامة وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان والمعروف بمواقفه المتشددة والعنصرية اتجاه الفلسطينيين عموما ناهيك عن مسألة المفاوضات مع الجانب الفلسطيني.

عند الحديث عن النية الفلسطينية التي أعلنها الرئيس الفلسطيني صراحة في خطابه الأخير بالتوجه لمجلس الأمن طلبا لعضوية كاملة في مجلس الأمن يسوقنا لتاريخ من الخطوات الفلسطينية التي حاول بها الفلسطينيون انتزاع اعتراف المجتمع الدولي بكيانهم للتخلص من أطول احتلال في العصر الحديث ونيل الاستقلال لدولتهم، فقد تم إعلان دولة فلسطين مرتين خلال ستين عاما : كان الإعلان الأول عبر حكومة عموم فلسطين وهي حكومة تشكلت في غزة في الثالث والعشرين من سبتمبر عام 1948 وذلك خلال حرب تقسيم فلسطين برئاسة أحمد حلمي عبد الباقي، حيث قام جمال الحسيني بجولة عربية لتقديم إعلان الحكومة إلى كافة الدول العربية والإسلامية وجامعة الدول العربية، وجاء في نص مذكرة الإعلان " بالنظر لما لأهل فلسطين من حق طبيعي في تقرير مصيرهم واستنادا إلى مقررات اللجنة السياسية ومباحثاتها، تقرر إعلان دولة فلسطين بأجمعها وحدودها المعروفة قبل انتهاء الانتداب البريطاني عليها دولة مستقلة وإقامة حكومة فيها تعرف بحكومة عموم فلسطين على أسس ديمقراطية" في الثالث عشر من نوفمبر تشرين الثاني عام 1974 ألقى الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات خطابا للمرة الأولى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ليكون أول ممثل لمنظمة غير حكومية يلقي خطابا أمام الجمعية العامة، جاء هذا الخطاب بعد أيام من اعتراف الجامعة العربية بمنظمة التحرير كممثل شرعي و وحيد للشعب الفلسطيني ، أكد عرفات في ذلك الخطاب التاريخي أن القضية الفلسطينية تدخل ضمن القضايا العادلة للشعوب التي تعاني من الاستعمار والاضطهاد واستعرض الممارسات الاسرائيلية العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، وناشد ممثلي الحكومات والشعوب مساندة الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره في تقرير مصيره والعودة إلى دياره وفي ختام كلمته قال " جئتكم بغصن الزيتون مع بندقية الثائر، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي .. الحرب تندلع من فلسطين والسلم يبدأ من فلسطين" وتم بعد ذلك منح منظمة التحرير الفلسطينية صفة "مراقب في الأمم المتحدة"

أما الإعلان الثاني فكان في الخامس عشر من نوفمبر عام 1988 حيث تم إعلان قيام دولة فلسطين من المنفى خلال اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني التاسع عشر الذي أقيم في الجزائر، أعلن حينها رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات دولة فلسطين على الأرض الفلسطينية وعاصمتها القدس، لكن لم يتم الاعتراف بهذه الدولة من قبل الأمم المتحدة. جاء في نص مذكرة الإعلان الذي قرأه ياسر عرفات في العاصمة الجزائرية "بسم الله وبسم الشعب أعلن قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف .." و وافق الفلسطينيون للمرة الأولى وقتها بحل الدولتين والتفاوض على أساس قرارات الأمم المتحدة رقم 242 و 338 ودعوا إلى انسحاب اسرائيلي كامل من الأراضي المحتلة عام 1967، اعترف بدولة فلسطين حينها أكثر من مائة دولة حول العالم لكن الأمم المتحدة لم تعترف.

هذه المرة يتوجه الفلسطينيون إلى مجلس الأمن ليس بهدف إعلان جديد للاستقلال كما ذكر الرئيس الفلسطيني محمود عباس في خطابه للشعب الفلسطيني عشية توجهه للمجلس بل بغرض تغيير الصفة التي لم تتغير منذ خطاب الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة هذه المرة طلبا لعضوية كاملة في مجلس الأمن، وفي هذا الإطار حذر الرئيس عباس من رفع سقف التوقعات وطالب الشعب الفلسطيني بالواقعية التي تفرضها العلاقات الاسرائيلية مع دول عظمى قد تقف عائقا في حال التلويح بالفيتو المتوقع من الجانب الأمريكي بعد رفض الرئيس الامريكي باراك أوباما للخطوة الفلسطينية والقيام بخطوات ومحاولات لإعاقة الجهود الفلسطينية في التوجه إلى مجلس الأمن في، لكن هناك من يدعم تلك الجهود ويقف جنبا إلى جنب مع الموقف الفلسطيني فقد أوضح المسئولون الفلسطينيون إلى أن هذه الخطوات التي قمنا ونقوم بها لاقت دعما عربيا ودوليا وقد أشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس في خطابه الأخير من رام الله قبل التوجه لمجلس الأمن أن أكثر من 126 دولة قررت الاعتراف بالدولة الفلسطينية بعد جولة مكوكية قام بها مسئولون فلسطينيون في سبيل حشد الدعم والتأييد لهذه الخطوة، لكن هذا الدعم توقف كثيرا عند بعض الفصال الفلسطينية على رأسها حماس ورغم تعامل القانون الدولي مع الأرض الفلسطينية بأنها أرض محتله وفقا للقانون الدولي، إلا أن اسرائيل لا تعترف بذلك وتتصرف على أساس أن هذه الأرض متنازع عليها وليست أرضا محتلة، وفي حال نجاح الفلسطينيين في خطوتهم القادمة يرى مراقبون أن معادلة الاحتلال القائم على الأرض الفلسطينية ستتغير على الرغم من عدم مبالاة الجانب الاسرائيلي ورفضه تطبيق مجمل القرارات والاتفاقات الموقعة مع الجانب الفلسطيني، لكن الفلسطينيين هذه المرة يواجهون المجتمع الدولي وقد سبقتهم نماذج ليست بالبعيدة يؤكدون ضرورة الاستفادة منها ومن أبرزها جنوب السودان وكوسوفو، وقد صرح نبيل شعث مفوض الشئون الخارجية في حركة فتح والذي بذل جهودا كبيرة في الحصول على اعتراف العديد من الدول "لا يوجد ما يمنعنا من الاستفادة من تجربة كوسوفو وكل الدول الأخرى، واستخدام كل الحجج والقوانين، واسرائيل ليست شعبا أصيلا في المنطقة وأعلنت إقامة دولتها وهي الدولة الوحيدة التي كان الاعتراف بها من قبل الأمم المتحدة مشروطا بتنفيذ قرار التقسيم 181 بإقامة دولة فلسطينية على 44% من أرض فلسطين التاريخية وتنفيذ القرار 194 الخاص بعودة اللاجئين"


ويعني الذهاب للأم المتحدة الطلب منها التعامل مع دولة فلسطين، لا أن تعترف بالدولة كعضو كامل العضوية، لأن الأمم المتحدة لا تعترف بالدول وإنما تتعامل معها وآلية الاعتراف بدولة فلسطين كعضو في الأمم المتحدة تقوم على طلب فلسطين من مجلس الأمن الدولي التعامل معها كعضو كامل العضوية، وعناصر تكوين الدولة تقوم على الأرض والشعب وحكومة تطلب هذه العضوية، ويجب أن يحظى هذا الطلب بموافقة مجلس الأمن، وبعد الموافقة عليه يتم تحويله للجمعية العامة للأمم المتحدة لاتخاذ قرار القبول، وفي حال الرفض يمكن اللجوء للجمعية العامة للأمم المتحدة والتي تعترف بفلسطين كدولة، ولكن كعضو مراقب له حقوق جميع الدول، باستثناء حق التصويت، ولا يمكن أن تحصل الدولة الفلسطينية على عضوية المنظمة الدولية دون دعم من مجلس الأمن الذي تملك فيه الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو)، الاستخدام الأمريكي لحق النقض لن يقضي على محاولة الفلسطينيين الاعتراف بالدولة والعضوية الكاملة في الأمم المتحدة، حيث يقول ميثاق الأمم المتحدة إن الجمعية العامة هي التي تعترف بالأعضاء الجدد، ولكن بتوصية من مجلس الأمن الذي يضم 15 دولة تتمتع خمس منها هي بريطانيا، فرنسا، الصين، روسيا والولايات المتحدة بعضوية دائمة وبحق النقض. وأيا كانت نتائج هذه المواجهة الفلسطينية الدولية سواء بنجاح رسمي باعتراف مجلس الأمن ومنح العضوية الكاملة أو معنوي بمنح الجمعية العامة للأمم المتحدة لعضوية غير كاملة، أو باستجابة الجانب الفلسطيني لضغوط اللحظات الأخيرة وانسحابه من هذه الخطوة، فإن الأثر الأبرز سيكون في تحريك هذا الملف الذي عانى من الجمود كثيرا في ظل حراك غير مسبوق تشهده دول الجوار العربي داخليا .. ولا يمكن التكهن في ماهية الطريق الذي سيسلكه الطرفان في هذا الحراك أو لمصلحة من سيكون، هل ستكون فلسطين الدولة رقم 194 وتحصل على كرسيها في مجلس الأمن، أم سيعود المفاوض الفلسطيني إلى سابق عهده ويجني الاسرائيليون ثمار هذه الخطوة بمضاعفة الضغط الدولي على السلطة الفلسطينية !! هذا ما ستكشفه الساعات القليلة القادمة

19/09/2011
إبراهيم خضرة


ليست هناك تعليقات: