كلمة "انطلاقة" التي تظهر الدافع لبدء حركة من السكون يسمعها الفلسطينيون كثيرا خلال الشهر الأخير من كل عام ومطلع كل عام ميلادي جديد وذلك لأن ذكرى انطلاقة أبرز فصائل التحرير والمقاومة الفلسطينية تأتي في هذه الفترة الزمنية من كل عام بداية بالجبهة الشعبية 11 ديسمبر 1967 ثم حركة حماس 14 ديسمبر 1987 وتأتي انطلاقة حركة فتح في الأول من يناير 1965 .. حديثي هنا ليس عن تاريخ تلك الانطلاقات وأجوائها والفروقات فيما بينها .. سأتحدث فقط عن كلمة "انطلاقة" التي إن بحثت عنها في محرك البحث العالمي جوجل فستجد ان انطلاقات فصائلنا تتصدر الصفحات الأولى من هذا البحث وأقصد هنا الاحتفالات بذكرى تلك الانطلاقات في إشارة إلى أننا أمة تثور فقط بخطبها وذكراها ولا انطلاقات فعلية نحو الأمام تذكر في سجلاتنا أو عناوين أخبارنا في السنوات الأخيرة على الأقل، فمهرجانات تطلق في كل عام في شقي الوطن الواحد الذي لم يعد لدى أهله سوى الوقوف على أطلال وذكرى تلك الانطلاقات والتهليل والتصفيق لمن يؤيدون أو لا يؤيدون من قاداتها وهم يكررون شعارات المحافظة على الثوابت (بلا أي ثوابت !) و وحدة الصف الفلسطيني (وهو الأكثر تشتتاً منذ نشأة القضية!) وبالتالي هي مهرجانات ويسمونها انطلاقات بلا أي انطلاقة فعلية جديدة تعيد لنا ولهم المجد التليد الذي ضاع بريقه في اقتتال داخلي على حكم أو ما اتفقوا على تسميتها بالسلطة ..
في نظرة سريعة للتاريخ ومنذ نشأة المقاومة الفلسطينية نرى أن القضية خرّجت لنا عددا من الشخصيات والقادة الذين وقفوا سدا منيعا في وجه المشروع الصهيوني منذ انطلاقته، كان من بينهم مفتي القدس أمين الحسيني وعز الدين القسام ولاحقاً عبد القادر الحسيني، وزعماء سياسيين ودينيين وعسكريين آخرين سواء فلسطينيا أو عربيا، وكانوا جميعا في بدايات نشوء المقاومة الشعبية في فلسطين.
ومع تصاعد وتيرة الاحتلال وتحركاتها السياسية انطلق الفلسطينيون وقادتهم انذاك بالثورة والمقاومة المنظمة ابتداء بالقائد ياسر عرفات والدكتور جورج حبش والشيخ أحمد ياسين ومعهم الكثير من الأسماء التي أسست كبرى فصائل العمل الوطني والتحرري في الأراضي الفلسطيني ودفعوا أرواحهم ثمنا لسنين من النضال والتضحية .. لتأتي لنا الأيام بعدهم بقوم لا يمثلون سوى أنفسهم ومصالحهم أو مصالح أحزابهم بعيدا عن القضية والشعب و ما انطلق لأجله أسلافهم ..
لم يعد لدى قادة تلك الفصائل اليوم إلا الخطب الرنانة التي تحاول من خلالها زيادة الحماس والتأييد والشحن الداخلي لدى الأنصار ولدى من لا حول لهم ولا قوة إلا بالله ثم بالخروج لتفريغ الكبت والطاقات الكامنة لديهم، جاء لنا الخلفاء بأفعال لا تمت بصلة لمبادئ انطلاقات حركاتهم المنبثقة من مصالح القضية ومتطلبات الصراع ومتغيراته والبعيدة كل البعد عن تحالفات إقليمية ودولية أو مصالح ضيقة خاصة ..
فحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح لم تعد حركة تحرير بتقديمها تنازلات بلا ثمن لمفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع المحتل ورفضها تقديم أي تنازل لصالح الجلوس على طاولة واحدة مع أبناء جلدتها .. وحركة المقاومية الإسلامية حماس لم تعد حركة مقاومة بمهادنتها المحتل ورفضها إعلان هدنة ومصالحة مع فتح وأنصارها في غزة، ولم نرى أي جبهات تقف في وجه مؤامرات المحتل أو صراعات الداخل الفلسطيني .. وسيبقى الحال على ما هو عليه إلى حين تغيير المعادلة بأحد خيارين وهناك ثالث لهما، فالأول أن تغير قيادات اليوم من مسميات حركاتها وفصائلها لتعكس واقعهم الحالي .. والثاني أن تغير الفصائل من قياداتها لتأتي لنا بمن هم أهل لاعتلاء هرمها ويكونون بالتالي قادرين على تحقيق الهدف التي انطلقت من أجله ومواكبة متغيرات المرحلة والصراع .. أما الخيار الثالث الذي أذكره فقط من باب (لعل وعسى) مع إيماني بصعوبته أو استحالته ويأتي في قوله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) هذه الاية التي يرددها كثيرون من رموز الصف الأول في خطبهم وللأسف ينسون أنفسهم دائما، فتغيير فكرهم ونظرياتهم في السياسة والمقاومة والصراع مع الابقاء على المبادئ الأساسية والجوهرية لمعتقداتهم وفكر انطلاقتهم تجعلهم قادرين على تقديم الحلول لكل مشكلاتهم الداخلية أولا ثم النظر إلى القضية بمنظور أشمل وأوسع من أي مصالح أو تكتلات خاصة، والصعوبة هنا تأتي من فشل أكبر فصيلين من الجلوس على مائدة المصالحة من اجل شعبهم وقضيتهم ومن يفشل بإصلاح بيته الداخلي فسيصعب عليه بأي حال من الأحوال فرض أجندته ونظرياته على عدوه في الخارج أيا كان وبالتالي صعوبة الانطلاقة الفعلية نحو الأمام بشعب فلسطين وقضيته ..
وبغير ذلك سيتكرر المشهد في كل عام أو في ذكرى كل انطلاقة .. الشعارات ترفع رنانة والأنصار لا يد لهم إلا بصفق واحدة على أخرى تهليلا لرموز الزمن الجميل أو ندبا على ما آلت إليه قضيتهم ..
كل عام وأنتم وانطلاقاتكم بخير ..
إبراهيم خضرة
20 ديسمبر 2010


